رغم تباطؤ التضخم .. اقتصاديون يحذرون من تآكل مؤشر ثقة الأسر المغربية - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

أظهرت بيانات التطور الفصلي وكذا السنوي لـ”مؤشر ثقة الأسر” تراجُعه المستمر خلال السنوات الأخيرة، خصوصا في مكونات أساسية تتعلق بالوضعية المالية والقدرة على الادخار، فضلًا عن “توقعات وتصورات سلبية ومتشائمة بخصوص تطور مستوى البطالة في الـ12 شهراً المقبلة”.

وأبان البحث الدائم حول الظرفية لدى الأسر المنجز من قبل المندوبية السامية للتخطيط عن نتائجَ قدّرَ خبراء اقتصاديون، تحدثت إليهم هسبريس، أنها “مجرد تحصيل حاصل”، لافتين إلى أن البيانات الكاشفة عن تشاؤم الأسر بخصوص توقعاتها لوضعيتها المالية وتآكل قدرتها على الادخار تدفع في اتجاه إيلاء أهمية كبرى للوضع الاجتماعي لعدد من الطبقات والفئات السوسيو- مهنية.

وبرسم ثالث فصول السنة الجارية، فإن نسبة 10,9 في المائة من الأسر، مقابل 89,1 في المائة، تتوقع القيام بادخار خلال الـ12 شهرا المقبلة؛ وهو ما يؤشر على استمرار تراجع القدرة على الادخار لدى الأسر المغربية رغم تباطؤ التضخم.

وباستقراء مؤشر “تطور أسعار المواد الغذائية خلال الـ12 شهرا المقبلة”، فإن معظم الأسر المستطلَعة آراؤها كشفت عن “توقعات باستمرار ارتفاعها” (84,4 في المائة من الأسر تتوقع استمرار ارتفاعها، فيما تتوقع 14,7 في المائة استقرارها مقابل 0,9 في المائة تتوقع انخفاضها)، وهو ما يعني- حسب البيانات الرسمية- استقرار رصيد هذا المؤشر عند “مستوى سلبي” (ناقص 83,5 نقطة مقابل ناقص 79,1 نقطة خلال الفصل السابق، وناقص 66,2 نقطة خلال الفصل نفسه سنة 2023).

“تدنٍّ ملحوظ”

عبد الرزاق الهيري، مدير مختبر تنسيق الدراسات والأبحاث في التحليلات والتوقعات الاقتصادية بجامعة فاس، سجل أن “مؤشر ثقة الأسر لا يزال متدنياً، وهذا المستوى المتدني بدأ منذ سنة 2018 وأصبح ملحوظاً منذ سنة 2022 إثر اندلاع الأزمة التضخمية التي عرفها الاقتصاد الوطني”، مبرزا أن “التدني يعكس التشاؤم الذي تُحسّ به الأسر المغربية فيما يتعلق ليس فقط بتحسّن مستوى المعيشة في المستقبل القريب، ولكن كذلك فيما يتعلق بقدرتها على الادخار، وفيما يتعلق بنظرتها إلى تحسن مستوى البطالة”.

وقال أستاذ الاقتصاد، في تصريح لهسبريس، إن “الإحساس بالتشاؤم فيما يخص القدرة على الادخار نابع من عدة عوامل: العامل الأول والأبرز هو تدهور القدرة الشرائية”، قبل أن يضيف “نَعرف أن الدّخل الأسري يتم اقتسامه إلى جزأين أو يستعمل في شقيْن: في نفقات الاستهلاك، وما يتبقى عبر الادخار”.

وتابع قائلا: “بما أن النفقات الاستهلاكية عرفت ارتفاعا في قيمتها بسبب ارتفاع الاسعار، خصوصا أسعار المواد الغذائية، فالقدرة الشرائية للأسر تدهورت، كما شهدت قدرتها على الادخار تدهورا مماثلا”.

العامل الآخر، حسب الخبير المالي والاقتصادي، يتمثل في “ارتفاع مستوى البطالة، وبالتالي يؤدي إلى زيادة عدد الأشخاص الذين لا يتوفرون على دخل، كما أن الادخار عند الساكنة التي دخلت حسابات البطالة يصبح منعدما، وبالتالي فإن الادخار على المستوى الوطني والمستوى الماكرو اقتصادي يعرف انخفاضا”.

وأضاف “لا بد من زرع الثقة عبر سياسة عمومية تزرع الثقة في الاقتصاد الوطني. وهذه السياسات العمومية يَجب أن تعمل على تحسين القدرة الشرائية للمواطنين بفضل التحكم في الأسعار عبر تدابير يجب اتخاذها من أجل أن تكون الأسعار متوافقة مع مستوى دخل الأسر”.

واسترسل قائلا: “لا نختلف حول فكرة استمرار مجموعة من الأسعار في مستويات مرتفعة كأسعار اللحوم الحمراء والبيضاء وكذلك أسعار مجموعة من الخُضر والفواكه”، قبل أن يستدل بأن “38 في المائة من الدخل تُخصص لشراء المواد الغذائية، أي أن ما يعادل خُمُسَيْ الدخل تقريبا يذهب لشراء المواد والنفقات الاستهلاكية المتعلقة بالمواد الغذائية”.

وقلّل الهيري من أثر رفع أجور الموظفين والأجراء بالمغرب على تحسين القدرة الشرائية، وعلق على ذلك بالقول: “صحيح يجب الرفع من الأجور، لكن يجب كذلك العمل على خفض الأسعار بفضل سياسات العرض، خصوصا منتوجات اللحوم والخضر والفواكه”.

“تدخل فوري”

تعاطى المحلل الاقتصادي رشيد الساري مع بيانات المؤشر الصادر عن مندوبية التخطيط بالقول إن “ذلك مجرّدُ تحصيل حاصل”، قبل أن يتساءل “كيف ستكون هناك ثقة للأسر في ظل ارتفاع أسعار منتجات عديدة ارتفعت بشكل كبير في السنوات الثلاث الماضية، خصوصا بالنسبة للمنتوجات الفلاحية وسلسلتيْ اللحوم الحمراء والبيضاء؟”، التي تشكل في الغالب معظم مكونات قفة المغاربة.

وتابع شارحا لجريدة هسبريس “الحديث عن انخفاض معدلات التضخم هو فعل واقعي، خاصة بعد أن عرفت مجموعة من المواد الأولية على المستوى العالمي تراجعاً بـ25 في المائة، غير أن ذلك جعل التضخم المستورد هو الذي انخفض. أما على المستوى الداخلي فمجموعة من أسعار المنتجات الفلاحية والتضخم الفلاحي لم تتراجع بعدُ، ومن المرتقب أن تستمر نظراً لأن المشكل هيكلي”.

وبالنسبة للوضعية المالية للأسر، لاحظ الساري أن “مجموعة من المؤشرات غير مطمْئِنة، ضمنها نسبة ارتفاع البطالة، مما يحيل مباشرة على أن مجموعة من العاطلين من الشباب ينضمون إلى أُسر معيلة لهم، وهو ما يشكل أعباءَ إضافية”.

ودعا المحلل ذاته إلى “تدخل حكومي فوري لضمان استقرار أسعار منتجات اللحوم وغيرها”، مقترحاً “سن إجراءات عملية، والحد من هيمنة المضاربين الجشعين في سلاسل الإنتاج والتسويق”. ونبه إلى أنه “لا يمكن أن نعتمد أو نطمئنّ بأن الوضعية المالية سوف تستقر فيما يلمَس المواطنون أن أسعار مجموعة من المنتجات مستمرة في الارتفاع”.

أخبار ذات صلة

0 تعليق