أبانت التطورات الفصلية الناتجة عن الحسابات الوطنية برسم الفصل الثاني من السنة الجارية عن تباطؤ في النمو الاقتصادي الوطني بـ 2,4 في المائة، عوض 2,5 في المائة خلال الفصل نفسه عاماً قبل ذلك.
بدوره كان الطلب الداخلي، بحسب مذكرة إخبارية في الموضوع صدرت عن المندوبية السامية للتخطيط، طالعتها هسبريس، “هو قاطرة النمو الاقتصادي خلال الفصل ذاته”، في سياق اتسم بـ”التحكم في التضخم، وزيادة الحاجة إلى تمويل الاقتصاد الوطني التي وصلت إلى 1,1 في المائة من الناتج الداخلي الإجمالي”.
وفقاً لبيانات المندوبية، فإن الأنشطة غير الفلاحية استمرت في انتعاشة ملحوظة بزيادة 3,2 في المائة، فيما واصل النشاط الفلاحي “تدهوره”، بعد موسم فلاحي جاف، بنسبة 4,5 في المائة.
وفي التفاصيل، انكمشت القيمة المضافة للقطاع الأولي من حيث الحجم، إذ انخفضت بنسبة 5 في المائة في الفصل الثاني من سنة 2024، وذلك بعد أن عرفت ارتفاعا قدره 1,2 في المائة خلال الفصل نفسه من السنة الماضية، وعزت المؤسسة الإحصائية الوطنية ذلك إلى “انخفاض القيمة المضافة للقطاع الفلاحي بنسبة 4,5 في المائة، عوض ارتفاع بنسبة 1,5 في المائة، وأنشطة الصيد البحري بنسبة 14,7 في المائة، عوض انخفاض بنسبة 4,5 في المائة.
رغم سياق “التحكم في التضخم”، ارتفع الطلب الداخلي خلال الفصل الثاني من سنة 2024 بنسبة 5% عوض 0,1% خلال الفصل نفسه من السنة الماضية، “مُساهمًا في النمو الاقتصادي بـ 5,2 نقطة بدلاً من 0,01 نقطة السنة الماضية”، يورد المصدر ذاته.
في المجمل، سجلت المندوبية السامية للتخطيط ارتفاع معدل نمو “نفقات الاستهلاك النهائي للأسر” بنسبة 3,1% عوض 0,6%، مساهمة في النمو بـ 1,7 نقطة مقابل 0,4 نقطة قبل سنة. وبدورها، سجلت نفقات الاستهلاك النهائي للإدارات العمومية تباطؤا في معدل نموها منتقلة من 4,9% خلال الفصل الثاني من السنة الماضية إلى 3,8% خلال الفترة نفسها من سنة 2024، مع مساهمة في النمو بـ 0,7 نقطة.
“الطلب الداخلي صمّام أمان”
بدر الزاهر الأزرق، محلل اقتصادي خبير في قانون الأعمال، أورد معلقاً على تقرير المندوبية السامية للتخطيط بخصوص الوضعية الاقتصادية أن الأخير “تحدّث بشكل صريح على التوقعات المرتبطة بالنمو خلال 2024″، مبرزا أنه على الرغم من عدم انتهائها واستقرار باقي المؤشرات، إلا أن نسبة النمو تتحدد في نحو 2.4% أو أكثر بقليل على أقصى تقدير”، معتبرا أنها “نسبة مقبولة إذا ما قورنت بالسياق الاقتصادي الذي مرت منه المملكة السنة الماضية وهذه السنة الموسومتين بالتأثر الشديد باضطراب الطلب الخارجي عقب الأزمة التضخمية بموجة ارتفاع الأسعار الكبيرة”.
وتابع الأزرق شارحا في تصريح لجريدة هسبريس أن “هذه السنة عرفت مجموعة من المواد خاصة المستوردة من قبل المغرب سواء من المحروقات أو الحبوب وغيرها التي أثرت بشكل كبير على الأسعار داخل السوق المحلية، وساهمت في تعميق الأزمة المرتبطة بالقدرة الشرائية”.
في المقابل، رصد المحلل الاقتصادي ذاته “التوجه نحو استقرار أو التحكم في نسَب التضخم وكذلك الأداء الجيد والمتوسط لبعض القطاعات، خاصة القطاع الثالث والقطاع الثانوي (خصوصا الصناعات والصناعات الاستخراجية)، وبنسبة معينة عبر السياحة والخدمات التي ساهمت بشكل كبير في خلق نوع من التوازن بين مختلف القطاعات، وبالتالي التوازن على مستوى الاقتصاد المغربي”.
وفي ضوء بيانات المندوبية، حلل الأزرق المشهد الاقتصادي في ثاني فصول السنة الجارية، قائلا: “في الوقت الذي كانت الصناعات الاستخراجية والصناعات عموما عرفت ارتفاعات جيدة، سُجل تباطؤ على مستوى القطاعات الخدماتية والسياحية مع تراجع واضح للقطاع الفلاحي”، وزاد:
“زيادة القيم المضافة لبعض القطاعات حاولت ضمان التوازن على مستوى المشهد الاقتصادي وتعويض الانخفاضات الكبيرة الحاصلة على مستوى القطاع الفلاحي بكل أبعاده”.
وأكد الخبير الاقتصادي فرضية سابقة لمساهمة الطلب الداخلي في الدينامية، موردا أنها “تبينت بالملموس خلال فترة كوفيد وبعده حيث الطلب الداخلي مازال هو صمام أمان الاقتصاد المغربي بشكل كبير، خاصة مع اضطراب في الطلب الخارجي الدولي، بل تراجعه بعد تراجع نمو الأسواق الكبرى، لا سيما الاتحاد الأوروبي كشريك تقليدي للمغرب”.
وأضاف المتحدث لهسبريس أن “المتوقع اليوم، ابتداء من السنة المقبلة، وبالنظر إلى التحكم في التضخم وطنيا ودولياً، استقرار الأوضاع الاقتصادية على المستوى الدولي وعودة عجلة الاقتصاد إلى دورتها العادية ما لم تتفاقم الاضطرابات العسكرية المتصاعدة بالشرق الأوسط إلى اندلاع حرب شاملة هناك، وهو ما قد يكون له إسقاطات كارثية على اقتصاد المملكة المغربية”.
ويرى الأزرق أن “ارتفاع الطلب الداخلي لا يعني أنه مرتبط بتحسن القدرة الشرائية، ما عدا مثلاً قطاع البناء الذي ربما ساهمت منظومة الدعم المباشر لاقتناء سكن رئيسي نسبياً في تحسن الطلب على الوحدات العقارية به، ولكن في بقية القطاعات ما زالت القدرة الشرائية متأثرة بشكل ملموس”.
“نمو رهينٌ بسخاء السماء”
في قراءته لتطور الوضعية الاقتصادية الفصلية وتوقعاتها بمتم العام، طرح محمد جدري، محلل باحث في الاقتصاد، هيمنة “انخفاض النمو وتباطؤه” على مسار السنوات الثلاث الماضية، قائلا إن “الاقتصاد الوطني يحقق الأرقام المتذبذبة، إذ إنه حقق 1.5 بالمائة سنة 2022 ثم 3 في المائة في 2023 فيما هذه السنة كان من المتوقع أن نحقق 3.7 في المائة لكنّنا ذاهبون نحو تحقيق 2,8 بالمائة فقط، على أبعد تقدير”.
وتابع جدري مفسرا: “تبين جليّاً ارتباط الاقتصاد الوطني بشكل وثيق بكل ما يتعلق بالقطاع الفلاحي؛ لأن القيمة المضافة الفلاحية في تراجع بأكثر من 6 بالمئة من هنا إلى نهاية السنة”، مستدلا في حديثه لهسبريس على ذلك بأن “المحاصيل الزراعية لهذه السنة ناهزت 32 مليون قنطار من الحبوب في حين كانت قبل سنة 55 مليون قنطار، وبالتالي تراجع القيمة المضافة الفلاحية يؤثر على نسبة النمو بدرجة أساسية، فضلا عن إشكاليات توفير السلع في السوق المحلية من الخضر والفواكه واللحوم الحمراء واللحوم البيضاء وكذلك من البيض، زيادة على نسبة البطالة التي تبقى مرتفعة ضمن نطاق متراوح بين 12 و13 في المائة”.
تبعا لذلك، خلص المحلل الاقتصادي عينه إلى أن “هذه الوضعية ستتطلب من المغاربة التعايش معها على الأقل إلى غاية 2026–2027؛ لأن السيادة المائية لا نتحكم فيها، وبالتالي سنبقى دائما مرتبطين بسخاء السماء”.
تفسيرات ارتفاع الطلب
في المقابل، رصد جدري إيجابية ما توصلت إليه مندوبية التخطيط من “ارتفاع الطلب المحلي”، معددا أسباب ذلك في انحسار التضخم الذي لم يعُد يلامس مستويات قياسية مع هدف بقائه قريبا من حدود 2%، وبالتالي مجموعة من السلع ومجموعة من الخدمات لم تعد أسعارها مرتفعة بشكل كبير”.
التفسير الثاني لانتعاش الطلب الداخلي، حسب المتحدث، هو “مخرجات الحوار الاجتماعي الأخير” عبر الزيادات الأولى في الأجور، خصوصا بالنسبة لفئات الموظفين، التي عزّزت نسبيا القدرة الشرائية لمجموعة من الأسر، وبالتالي ارتفع الاستهلاك تجاه نوعية من السلع والخدمات، لا سيما مع ظرفية الصيف وقبلها الأعياد الدينية”.
أما العامل الثالث، يقول جدري إنه يتصل بـ”أثر منظومة الدعم الاجتماعي المباشر بحكم أنه يذهب في دعم استهلاك مجموعة من السلع والخدمات، ما رفع الطلب الداخلي بشكل ملحوظ في النصف الأول من سنة 2024″.
0 تعليق