التّعلّق المرضي - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

د. مايا الهواري

تشكّل مشاعر الألفة والتّقارب والاحترام المتبادل نكهة مميزة تجمل العلاقات بين الأشخاص المقرّبين، ولكن إذا ازدادت القصّة عن حدّها تحوّل الارتباط إلى تعلّق مرضيّ، ما يؤدّي لانقلاب هذا الارتباط ضدّ أفراده مؤدّياً ذلك لحالة من الاضطراب النّفسي في بعض الأوقات. التّعلّق المرضيّ، أو ما يسمّى القلق، يكون فيه الشّعور مبالغاً فيه، وفي حال الشّعور بالابتعاد العاطفيّ من قبل الطّرف الآخر يتسلّل التّوتّر والقلق إليه متحوّلاً لعادة، فالعادة تستغرق من 21 يوماً إلى 40 يوماً لتترسخ، ما يؤدّي لتعلّق الشّخص بهذه العادة. يقول المثل «من عاشر القوم 40 يوماً أصبح منهم»، أي أنّ هذه مدّة كافية لبرمجة عادة معيّنة، فما هو الحال بعادة يعيشها المرء لسنوات؟ فحتماً سيتعلّق بها.
والتّعلّق قد لا يكون بالأشخاص فقط، إنّما بالأشياء، بالأماكن، بالأغراض الّتي لا يمكن للمرء الاستغناء عنها، فكيف بالإنسان الّذي يتعلّق بشخص منحه الحبّ والاحترام والاحتواء، علماً أنّ التّعلّق المرضيّ قد يكون تعلّقاً بالشّخص أو الشّيء الخطأ الخارج عن النّطاق الطّبيعيّ المألوف؟ ما الّذي يجعله يتقبّل الإهانة أو المذلّة مثلاً؟ فقد يرى الإنسان الخطأ أو يلمس الأذى من شخص آخر ويبقى متعلّقاً به لا يمكنه الابتعاد عنه، سواء أكان رجلاً أم امرأة، وقد يرجع ذلك لما عاشه المرء في طفولته، ومتى عرف السّبب بطل العجب.
إنّ 75% من فهمنا للأمور يمكن علاجه، وفي 25% منه نقوم بتطبيق الشّيء وإعادة برمجة العادة والتّعلّق بها مرضيّاً. إنّ الطّفل أوّل ما يراه هو علاقة والديه، فيقوم الدّماغ بتكوين شيفرات يحتفظ بها، الشّيفرة الأولى علاقة الرّجل والمرأة، والشّيفرة الثّانية علاقة الزّوج والزّوجة، والثّالثة علاقة الأب والأم. ويمتلك الدّماغ قدرة عجيبة على التّفريق والتّمييز بين الأنواع الثّلاثة ويربط بينها بمشاعر، فإذا كبِر هذا الطّفل وشاهد الحبّ بين والديه واستشعره مع الاحترام والاحتواء والاهتمام والمشاعر اللّطيفة احتفظ بذلك في الّلاوعي، لأنّ أوّل خمس سنوات من عمر الطّفل تتكوّن في الّلاوعي ويحدّد من سيكون في الثّلاثين، فالطّفل الّذي وجد الحبّ والاهتمام كوّن شيفرة تدعى الأمان ويعمّم ذلك على كلّ علاقة تتضمّن هذه المشاعر، وفي المقابل من وجد الحبّ مرتبطاً بالضّرب والإهانة كوّن شيفرة الحبّ والعنف يشكّلان الأمان لديه. وهنا تكبر هذه الشّيفرات مع الطّفل ومستقبلاً حال تعرّضه لعنف أو مذلّة يعتقد أنّ هذا هو الحبّ، وهنا يبدأ التّعلّق المرضي وعدم القدرة على الابتعاد عن الشّخص الّذي يهينه معتقداً أنّه يحبّه وهذا ما يجب علاجه.
نستنتج ممّا سبق أنّ برمجة العقل تكون منذ الصّغر، ويجب برمجتها بشكل صحيح حتّى لا يصبح هذا التّعلّق مرضيّاً غير سوي، وألّا نقرن الخطأ بالعادة، ولنعمل على تغيير كلّ ما هو سيّئ ليعيش المرء بشكل سليم إيجابي.

أخبار ذات صلة

0 تعليق