عاجل

«عاشق» المظهر رومانسي والجوهر غموض وانتقام - اليوم الإخباري

0 تعليق ارسل طباعة

مارلين سلوم

نجاح فيلم أو مسلسل يسهم بشكل مباشر في الترويج لعمل آخر يليه لنفس فريق العمل أو على الأقل لنفس البطل، وهو ما حصل مع الفنان أحمد حاتم الذي حقق نجاحاً كبيراً في آخر مسلسل عرض له «عمر أفندي»، وأصبح حديث الناس والترند على مواقع التواصل الاجتماعي، فانعكس إيجاباً وبشكل تلقائي ومباشر على إطلاق فيلمه الجديد «عاشق» الذي شهد إقبالاً كبيراً من الجمهور لمشاهدته في الصالات؛ الفيلم الذي يبدو رومانسياً من عنوانه ومن الكلام المختصر الذي يعرّفون به عن القصة، يذهب أبعد من قصص الحب والرومانسية المعهودة، يلعب على فكرة التشكيك والغموض فتبقى يقظاً مترقباً ما يحصل طوال الوقت، لينتهي بمفاجأة لا يمكن أن تتوقعها، ما يجعله فيلماً متميزاً وغير تقليدي، لكنه في نفس الوقت لا يدعوك إلى الفرح أو البهجة.
يخدعنا بوستر «عاشق» ومقولة إنه فيلم رومانسي، فمنذ المشهد الأول التمهيدي والمقدمة الموسيقية التي تليه، ندخل في أجواء الغموض وكل ما يوحي بأننا سنشاهد فيلم جريمة أو رعب أو ربما قصة معقّدة.. الكاتب محمود زهران (مؤلف «ليلة قمر 14» و«أنا لحبيبي») والمخرج عمرو صلاح ينجحان في تقديم هذه الخلطة التي تجعلك مترقباً الأحداث غير قادر على توقع الآتي، وإن كنت تستشف من بعض اللقطات التي يمررها المخرج عمداً بين الحين والآخر كأنها مقتطفات سريعة لا علاقة لها بالحدث الآني، تقفز بك إلى مكان آخر بلمح البصر وكالبرق تلمع وتختفي وأنت تحاول ربطها بما يحصل، لدرجة أنك تشعر بأنها تهيؤات يراها البطل، فتشك بأنه مريض نفسي.


نعود إلى القصة، البطلة فريدة (أسماء أبو اليزيد) نائمة في سريرها، تسمع أصواتاً غريبة، تدخل الحمام فترى رسوماً غامضة وغير مفهومة على وجهها، يُقفل باب الحمام فتعجز عن الخروج ثم تنقطع الكهرباء وسط ذهول ورعب فريدة ما يحصل.. هذه المقدمة هي جزء مقتطع سوف نعود لنراه لاحقاً ضمن أحداث الفيلم؛ الرسومات التي تمر خلال التيتر تحمل الكثير من المعاني والرموز، وكأنها تحكي القصة وتعبّر عن الشخصيات وأبرز الأحداث بالرسم.
فريدة مدمنة على المخدرات، طبيبها المعالج الدكتور مالك (أحمد حاتم) يقع في حبها فيحاول زميله الدكتور محمود نصحه بالابتعاد عنها لأن حياتها مملوءة بالمصائب، حتى مدير المستشفى يحاول إقناع مالك بالابتعاد لكنه يصر على التقرّب منها أكثر والانتقال من مرحلة الطبيب المعالج، بعد أن تم تأكيد تعافيها من الإدمان، إلى حبيب يلازمها ويتابع حالتها عن كثب؛ يطلب منها اتباع برنامج الـ12 خطوة كي تستمر في التعافي وأن تختار لنفسها مشرفاً وأخصائياً نفسياً، فتختار مالك وتتابع معه تلك الخطوات، لكنها تقف عند الخطوة الخامسة وتشعر بعدم قدرتها على مواجهتها، لأنها تتطلب المصارحة والمواجهة بكل الحقائق وبما مرت به في حياتها والتحدث عنه مع أحد المقربين، والطبيعي أن يشجعها مالك على اتخاذ الخطوة لتصرّح له بكامل حقيقتها.


وهي ابنة الـ13 عاماً واجهت صدمة حين اكتشفت أن والدتها تخون والدها ما دفعها إلى إخباره بالأمر، فتلقت الصدمة الأكبر حين أقدم الأب على قتل الأم أمام ابنتهما، من هنا بدأت رحلة فريدة مع المخدرات، ثم عاشت سلسلة من المآسي والأخطاء التي ارتكبتها، منها إقدامها على قتل حبيبها بجرعة زائدة من المخدرات حين اكتشفت خيانته لها، ثم قتل فتاة تدعى زينة (هنا الزاهد) لأنها أزعجتها باكتشافها أن فريدة وصديقها مروان (محمود الليثي) يتعاطيان المخدرات داخل صالة للرقص تمتلكها زينة، فوضعا لها مخدر الفودو المسبب للهلاوس في الكوب ولم يعرفا أنها كانت مريضة بالقلب ليودي المخدر بحياتها.
يبدو أن مالك عاشق حقيقي لفريدة كي يتقبل منها كل تلك القصص ويبقى حريصاً على الاستمرار في تلك العلاقة، بل علم بعودتها إلى التعاطي مع مروان فازداد إصراراً على معالجتها رغماً عنها، فأخذها إلى مزرعة أبيها سالم حسن (محسن محيي الدين) وفرض عليها حراسة كي تُتم العلاج، ثم طلبها للزواج! توالي الأحداث وبعض اللقطات التي تمر دون أن تفهم معناها أو أسبابها، تجعلك تشك بأمر الدكتور مالك، فإما أنه هو الآخر مريض نفسي يصاب بالهلوسات، وإما أن له هدفاً ما أكبر من حكاية العشق والحب لفريدة كي يصر على الارتباط بها رغم بشاعة حياتها وتصرفاتها.
تتوالى الأحداث سريعاً، يدخل على الخط شخصيات جديدة، الشيخ الذي يحضره والد فريدة لعله يُخرج منها الجن بسبب التهيؤات والهلوسات التي تصيبها، الشيخ حجازي (سامي مغاوري) يعالجها على طريقته، والطبيب النفسي الدكتور وجيه (فراس سعيد) يحاول معالجتها أيضاً على طريقته.. فكيف تخرج فريدة من هذه الدوامة؟ ولماذا يصبر مالك ويتخلى من أجلها عن عمله في المستشفى ليتفرغ لها ولمرافقتها في رحلة إلى الشاليه في العين السخنة كي يساعدها؟
لن تصاب باكتئاب، لكنك على الأقل ستشعر بالحزن رفيقاً يلازمك طوال مشاهدتك لهذا الفيلم، دون أن يفارقك الإحساس بالأمل وأن الآتي سيكون أفضل والختام سيكون مسكاً؛ فهل تتذوق طعم المسك أم أنك تخرج من «عاشق» معجباً بالمجهود المبذول فيه وبالقصة غير التقليدية وبالإخراج التشويقـــي الـــذي يزيــد الجمهور حيرة وتساؤلاً حول ما يحصل دون أن تطال المسك ولا العنبر ولا الإحساس بالفرح؟
الفيلم مكتوب بطريقة تشويقية جيدة، يقدم محمود زهران مؤلفاً قادراً على تقديم أعمال جيدة من حيث القصة والتسلسل المنطقي للأحداث والمحافظة على الخط التصاعدي للإثارة والحبكة، خصوصاً أنه يجيد إخفاء الحقيقة والتمهيد لها بأحداث غير مباشرة، تضمن للجمهور الاستمتاع بلحظة اكتشافها وبعنصر المفاجأة المحبب في مثل هذه النوعية من الأعمال؛ كذلك المخرج عمرو صلاح استطاع التحكم بكل التفاصيل وبرع في القطات السريعة التي تفاجئك بين الحين والآخر ولم يتبع أسلوب «الفلاش باك» وسرد الحكاية من ألفها إلى يائها بشكل تقليدي، حتى الكشف عن الحقيقة جاء بأسلوب انتقالي ذكي وعند النقطة الفاصلة بين كل ما يحصل لفريدة وما وصلت إليه ولماذا؟
في جانب ما، يعيدك «عاشق» بالذاكرة إلى فيلم «حسن المصري» (2023) إخراج سمير حبشي، قصة نورا لبيب وكتبت السيناريو والحوار سمر طاهر، والبطولة أيضاً لأحمد حاتم مع ديامان بوعبود، فيلم يتعمق في التحليل النفسي وتتسبب عقدة في تغيير مسار حياة البطل حسن، وتسود أجواء مشابهة من الأمل المكتوم والحزن المظلل على الأجواء والرفيق الدائم للبطل، مع فارق في الأحداث وكل تفاصيلها. 
الديكور والصوت والموسيقى والأضواء تلعب دوراً مهماً في «عاشق»؛ أداء الممثلين لا غبار عليه، أحمد حاتم يثبت في كل مرة أنه نجم قادر على أداء مختلف الأدوار والألوان الدرامية، متمكن من أدواته، سلس في الأداء والتعبير يجبرك على تصديقه؛ كذلك أسماء أبو اليزيد لا تغادر أبداً مكانها في مقدمة المتميزين والأوائل بين أبناء وبنات جيلها؛ هنا الزاهد ضيفة شرف مرورها سريع ولطيف؛ أما باقي الشخصيات فحضورها مكمّل لكنه مهم.
 

[email protected]

أخبار ذات صلة

0 تعليق